إصلاحات بوتفليقة تبعثر جهود الثورة

تأثر الجزائر بالربيع العربي، ونشأت عدد محاولات لحشد الشارع للقيام بثورة. لكن عدة عوامل حالت دون تطور الوضع إلى أكثر من “مظاهرات محدودة”. المدون الجزائري عبد القادر بن خالد يستعرض بعضا من هذه العوامل.

انتظر الشارع الجزائري بترقب شديد توجه ثورة الياسمين غربا. فهذا أقرب للتحقق نظرا لما يتميز به الشارعان التونسي والجزائري من قواسم مشتركة، بل الأمر يصبح مؤكدا عندما نتكلم عن الوضع الاقتصادي المزري للشعب الجزائري وارتفاع نسبة البطالة والعزوبة، وتفشي الفساد في الأجهزة التنفيذية. لكن هذا لم يحدث. فقد حطت الثورة رحالها في مصر المجاورة واتجهت شرقا نحو أعرق الدكتاتوريات العربية، ولم يكن أفضل المتفائلين يظن أن الحال سيكون كالجارة تونس.

هنا في الجزائر، بدأت العدة للثوران وتوفرت جميع الظروف الاجتماعية والجيو-سياسية وعرف الفيسبوك نسبة عالية جدا من الإقبال. وتطور استخدام وسائل الإعلام الجديد، وتحرك المجتمع المدني (الخامل لعقود) وبرز نشطاء حقوق الانسان وتعاظمت أصواتهم ويئس الشعب من إيجاد مخرج بهيج للوضع الحالي حتى تفاجأ الجميع بانهيار رأس النظام المصري! ليواصل الجميع جهودهم لحذو خطى الجارتين تونس ومصر.

ولم ينطل الأمر على نظام متمرس كالنظام الجزائري، فأطلق حزمة إصلاحات مغرية كانت كفيلة جدا بتحويل النقاش من “الثورة” إلى “إنجاح الإصلاحات السياسية”، وكلف بوتفليقة رئيس البرلمان لقيادة مشاورات واسعة مع المعارضة وأحزاب السلطة والشخصيات الوطنية المؤثرة في المشهد السياسي، ولم يقاطع المشاورات إلا حزبين صغيرين غير مؤثرين في العملية السياسية. فيما شاركت أبرز الأحزاب الجزائرية وأكثرها تنظيما وانتشارا على غرار “حركة مجتمع السلم والتجمع الوطني الديمقراطي” و”جبهة التحرير الوطني وحزب العمال”.

افتقر حينها الشعب الجزائري لقيادة تعبّر عن أشواقه، ولم يفقه الكثير من الجزائريين مغزى الإصلاحات ولا مدلولاتها، فرفعُ حالة الطوارئ خلال غليان الأحداث لم ينعكس على حياة المواطن الطامح للعيش الكريم، ومنح الاعتمادات للأحزاب الجديدة لم يغير شيئا من أزمتي السكن والبطالة، وإعطاء حرية أوسع للإعلام لم يساهم في نقل المعاناة الحقيقية للجزائر العميقة!

لقد تداعت صورة الأحزاب التقليدية لدى الشباب الجزائري وعبّر عن ذلك في مختلف المحطات الانتخابية بعزوف خطير واستقال كلية من العملية السياسية، فيما انهمكت الأحزاب بترتيب أوراقها للاستحقاقات المقبلة بعيدة تماما عن هموم المواطن الجزائري ما سيدفع حتما إلى الخروج من عنق الزجاجة ولو بالانفجار الداخلي الذي يهابه الجزائريون مخافة الفوضى التي يشاهدونها في المحروسة مصر والخضراء تونس والعظمى ليبيا.

سيكون على النشطاء مستقبلا، إيجاد الأطر الأكثر تمثيلا لمطالبهم الاجتماعية والسياسية وتجاوز الأحزاب الكلاسيكية التي عجزت عن شدّ اهتمامهم، وصناعة إعلام جماهيري يردّ الصاع صاعين للإعلام الرسمي المضطرب، والمشاركة في الفعل السياسي مستقبلا بمراقبة الانتخابات والحرص على نزاهتها، والاستفادة من الدروس السياسية مما يجري في تونس ومصر وليبيا.