الربيع العربي لم يكن حلا للخلاص من ظلم الحكام

هل نحن بحاجة إلى ثورات شعبية ؟؟

استطاع الجزائريون قبل 26 سنة من اليوم  إجبار الرئيس الشادلي بن جديد على تقديم تنازلات سياسة هامة من نظام أحادي شمولي لا يؤمن بالتعددية السياسية، وحصل الجزائريون حينها (قبل أي ثورات شعبية في المنطقة) على مكاسب وصفت بالهامة عقب ثورة عارمة وصفت آنذاك بثورة الخبز، غير أنها حققت إنجازات سياسية غير مسبوقة كتعديل الدستور والقبول بالتعددية السياسية وتوسيع الحريات وهي المكاسب التي لم يكن يعرفها الشارع العربي آنذاك (1988)

سيطر الإسلاميون على أولى الانتخابات النزيهة، واكتسحت الجبهة الإسلامية للانقاذ (المتشددة) النتائج ما أدى إلى توقيف المسار الانتخابي من طرف العسكر وإدخال البلاد في دوامة من العنف راح ضحيته مئات الآلاف من كلا الطرفين لتعود الجزائر سريعا إلى الأحادية والحكم الشامل والأحكام الانتقامية، الأمر الذي مازال يدفع ثمنه الجزائريون إلى الآن.

السؤال المطروح اليوم، ماذا حققت ثورة الخبز قبل 26 سنة من اليوم أم أنها مجرد غثاء كغثاء الربيع العربي وما جره للمنطقة من دمار وخراب تفننت الأنظمة الديكتاتورية في إذلال الشعب فيه، وردتهم أزمنة بعيدة لعصر العبودية والتفرد بالحكم؟ وهل نحن فعلا بحاجة لـ :  ثورات شعبية ؟؟

الأخبار القادمة من الجريحة مصر، أو المغبونة سوريا، أو المخروبة ليبيا لا تنبئ بشيء يسير من الامل نحو بناء بلدان تقدمية ديمقراطية مدنية – باستعمال الألفاض الغربية في التعبير عن التحرر والانعتاق – بل لم تساهم حتى في الحفاظ على مكاسب سياسية تاريخية ودفعت العسكر للتجبّر والطغيان وتكميم الأفواه أكثر فأكثر، لم تنج منها إلا الخضراء تونس، فهل هذه هي الثورات الشعبية التي نحتاج؟

إن عدم مراعاة الظروف المحلية والأجنبية، وعدم القدرة على تسيير القوى الداخلية من عسكر ورجال مال وأعمال اعتادوا على نمط حكم معين، مبني على البطش والقوة، لا يساهم بأي شكل من الأشكال في مساعدة أنظمة الحكم الحالية على التخلي على سلطاتها طواعية أو المساهمة في انتقال ديمقراطي سلس نحو الحكم الراشد، بل عدم المعرفة هذه، تدفع بالقوى الشعبية الساذجة إلى استعجال استعراض القوة واحتلال الميادين والشوارع لإثبات الذات وقد ترنو حينها إلى كرسي الرياسة دونما دراية كافية بمقاليد الحكم.

من ثورة أكتوبر 88 ضد طغيان نظام الحكم حينها، إلى ثورة 25 يناير ضد غنجهية مبارك وتجبّره حصلنا على نفس النتائج ولم تع الشعوب العربية بعد أن نفس الطينة الحاكمة من المحيط إلى الخليج تحكم نفس الشعوب من طنجة إلى جاكارتا، وعلينا البحث عن نموذج فريد للتعامل مع هته الأنظمة ولما لا مشاركتها الحكم والمساهمة في إصلاح داخلي يجنب شعوبنا ويلات الاقتتال وسفك الدماء.

لم يستطع عمر غول احتلال مكان حمس في الحكومة رغم تأكيده على ذلك

السلطة تجد ضالتها

تاه الحكام في الجزائر عن إيجاد بديل لائق للإسلامين مذ تمرّد حركة مجتمع السلم على الرئيس بوتفليقة وعلى نظام الحكم غداة ما عرف بالـ “الربيع العربي”، وحاول العقل السياسي المتحكم في سدة الحكم شق الحركة وإفراغها من إطاراتها ومناضليها عبر استخدام ورقة الوزير عمر غول المنتمي للتيار الإسلامي.

لكن يبدو أن كل هذه المحاولات لم تكلل بالنجاح الذي يبغيه النظام ولم يفلح عمر غول وحزبه “تاج” في ملأ الفراغ الرهيب الذي تركته الحركة الإسلامية في مقاعد الحكومة، بل لم يستطع غول حتى جمع إطارات حزبه التي أعلن البعض منها انشقاقا آخر عن الهيكل الجديد “تاج”، خاصة بعد إخفاقه في التموقع في حكومة الرئيس بوتفليقة التي جاءت بعد عهدة رابعة كان يحمل لواء الدفاع عنها غول وتاجه.

حركة مجتمع السلم التي انشطرت إلى قسمين، جبهة التغيير وحزب تاج، مازات تسبب قلقا ما للنظام الجزائري وإلا كيف نفسر التخبط الذي يعيشه القادة السياسيون في معسكر الموالاة ؟

لكن الغريب في الأمر أن أحد ربائب “حمس” وهي حركة البناء الوطني التي انشقت عن جبهة التغيير هي الأخرى، استطاعت في نهاية الأسبوع المنصرم أن تجمع الآلاف من “محبيها” و”مناضليها” في تجمع هو الأكبر لهذا الفصيل المنشق منذ تأسيسه، والسؤال الذي يبقى مطروحا مذّاك : كيف لهذا الحزب الفتي غير المعتمد أن يحضى بكل هذه الهالة والحضور الإعلامي والسياسي القوي ؟؟

هل وجد النظام السياسي ضالته في حزب إسلامي قد يعوض الفراغ الذي تركته حركة مجتمع السلم ؟ خاصة أن أبرز مهندسي التخندق مع السلطة من الإسلاميين موجود حاليا في حركة البناء الفتية وهم الوزير السابق عبد القادر بن قرينة وأحمد الدان وسليمان شنين.

إلى أن تؤكد لنا الأيام المقبلة صدقية هذه الفرضية، ليس هنالك أي مجال للشك أن الخريطة السياسية في الجزائر ستشهد تغييرا جذريا قد يلتقي فيه “الإخوان المسلمون” مع “جبهة القوى الاشتراكية” في حكومة واحدة.