رئيس حمس بجوار رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور

حمس ترتدّ !

أثار قرار حركة مجتمع السلم “حمس” القاضي بالعودة إلى أحضان التشكيلة الإدارية للبرلمان ردود فعل بالغة داخل الصف الحزبي وفي المحيطين السياسي والشعبي خاصة بعد عتبة الخطاب “الراديكالي” الذي اتصفت به الحركة منذ الشرارة الأولى للربيع العربي، ووصفها للبرلمان الحالي بـ “الهش” واتهام النظام الحالي بالتزوير ومصادرة إرادة الشعب الذي اختار “التغيير” حسب أبجديات البيت الإسلامي.

وكان القرار القاضي بالعودة إلى هياكل البرلمان مفاجئا للجميع بما في ذلك القيادات الوسطى للحزب، بالأخض أن الحركة بررت ذلك بفقدان المعلومة السياسية وبعدها عن مصدر التشريع بقرارها عدم المشاركة في هياكل المجلس الشعبي الوطني، غير أن هذا التبرير لم يقنع العديد من الفعاليات السياسية والشعبية لما فيه من ركاكة وبراغماتية لم تتعود عليها الحركة، بل حتى أن التبرير غير منسجم تماما مع إيديولوجية الحركة التي تعتقد أن البرلمان مجرد هيكل من دون روح وأن السلطات متمركزة بيد رئيس الجمهورية دون غيره.

وعليه، ومن زاوية أخرى – حسب رأيي – الأمر لا يخلو من 4 أسباب (أحدها أو كلها)

1- الحركة تريد الاقتراب من التيار الوطني لسد المجال أمام التيار الفرونكو-ليبيرالي، وهي بذلك اختارت التخندق مع الجناح الأكثر قربا من إيديولوجيات حركة مجتمع السلم داخل منظومة الحكم، خاصة عقب “الطرد المذلّ” لمستشار رئيس الجمهورية ورجل الثقة لديه السيد عبد العزيز بلخادم، وهو أحد رموز التيار الوطني المحافظ.

2- تعزيز النفوذ المالي والسياسي للحركة، خاصة بعد تخليها على حقائبها الوزارية منذ التعديل الوزاري الذي عقب ثورات الربيع العربي.

3- إرسال رسالة تطمين إلى الفاعلين السياسيين والعسكريين في البلاد أن الحركة تقبل باللعبة السياسية والمناورة داخل الأسوار التي يحددها النظام دون التوجه إلى التطرف في المعارضة.

4- قطع الطريق أمام المنافسين السياسين للحركة خاصة من الإسلاميين على غرار حركة التغيير وحركة البناء الوطني وحتى تجمع أمل الجزائر.

حمس تقود معارضة من مختلف الحساسيات

حمس تقود معارضة من مختلف الحساسيات، في الصورة كل من رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس وأحمد بن بيتور وقيادات حزبية

الأيام القليلة القادمة ستؤكد حتما هذه الفرضيات في ظل ضبابية قاتمة يظهر عليها المشهد السياسي الجزائري في واحدة من أعقد الظروف التي تمر بها البلد.

 

لم يستطع عمر غول احتلال مكان حمس في الحكومة رغم تأكيده على ذلك

السلطة تجد ضالتها

تاه الحكام في الجزائر عن إيجاد بديل لائق للإسلامين مذ تمرّد حركة مجتمع السلم على الرئيس بوتفليقة وعلى نظام الحكم غداة ما عرف بالـ “الربيع العربي”، وحاول العقل السياسي المتحكم في سدة الحكم شق الحركة وإفراغها من إطاراتها ومناضليها عبر استخدام ورقة الوزير عمر غول المنتمي للتيار الإسلامي.

لكن يبدو أن كل هذه المحاولات لم تكلل بالنجاح الذي يبغيه النظام ولم يفلح عمر غول وحزبه “تاج” في ملأ الفراغ الرهيب الذي تركته الحركة الإسلامية في مقاعد الحكومة، بل لم يستطع غول حتى جمع إطارات حزبه التي أعلن البعض منها انشقاقا آخر عن الهيكل الجديد “تاج”، خاصة بعد إخفاقه في التموقع في حكومة الرئيس بوتفليقة التي جاءت بعد عهدة رابعة كان يحمل لواء الدفاع عنها غول وتاجه.

حركة مجتمع السلم التي انشطرت إلى قسمين، جبهة التغيير وحزب تاج، مازات تسبب قلقا ما للنظام الجزائري وإلا كيف نفسر التخبط الذي يعيشه القادة السياسيون في معسكر الموالاة ؟

لكن الغريب في الأمر أن أحد ربائب “حمس” وهي حركة البناء الوطني التي انشقت عن جبهة التغيير هي الأخرى، استطاعت في نهاية الأسبوع المنصرم أن تجمع الآلاف من “محبيها” و”مناضليها” في تجمع هو الأكبر لهذا الفصيل المنشق منذ تأسيسه، والسؤال الذي يبقى مطروحا مذّاك : كيف لهذا الحزب الفتي غير المعتمد أن يحضى بكل هذه الهالة والحضور الإعلامي والسياسي القوي ؟؟

هل وجد النظام السياسي ضالته في حزب إسلامي قد يعوض الفراغ الذي تركته حركة مجتمع السلم ؟ خاصة أن أبرز مهندسي التخندق مع السلطة من الإسلاميين موجود حاليا في حركة البناء الفتية وهم الوزير السابق عبد القادر بن قرينة وأحمد الدان وسليمان شنين.

إلى أن تؤكد لنا الأيام المقبلة صدقية هذه الفرضية، ليس هنالك أي مجال للشك أن الخريطة السياسية في الجزائر ستشهد تغييرا جذريا قد يلتقي فيه “الإخوان المسلمون” مع “جبهة القوى الاشتراكية” في حكومة واحدة.